وُلِدَ في مقاطعة نوجيه لوروترو، بفرنسا. درس الطب، وقام بجولة في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا. اهتمَّ بالطِّبِّ النَّفسيِّ وأنتج فيه مجموعة من الأبحاث المؤثِّرة عن سلوك الجماعة، والثقافة الشعبية، ووسائل التأثير في الجموع؛ ممَّا جعل من أبحاثه مرجعًا أساسيًّا في عِلم النفس، ولدى الباحثين في وسائل الإعلام في النصف الأول من القرن العشرين. نشر له مركز المحروسة: "اليهود في تاريخ الحضارات الأولى"، و"روح الثورات الثورة الفرنسية".
كانَ قِيامُ الدُّوَلِ ونَشأَةُ القَوميَّاتِ ناقوسَ خَطَرٍ للجَماعاتِ اليَهودِيَّةِ في أوروبا؛ حَيثُ شُيِّدَت الدُّوَلُ الحَديثَةُ على أَساسٍ عِرْقيٍّ، ولَم يَستَوعِبْ اليَهودُ الَّذينَ عاشوا مُنعَزِلين في "الجيتو اليَهودِيِّ" ذَلِكَ. كما سادَ الغَربَ الأُوروبيَّ حالَةٌ مِن الكُرْهِ الشَّديدِ لليهودِ؛ مِمَّا جَعَلَ مُفَكِّرًا كَبيرًا مِثلَ "ماكس فيبر" يَعتَبِرُهُم أَصلَ الشُّرورِ في العالَمِ، أَمَّا "هيجل" فَقَد أكَّدَ أَنَّ الرُّوحَ القَوميَّةَ اليَهودِيَّةَ لَم تُدرِك المُثُلَ العُليا للحُرِّيَّةِ والعَقلِ، وأَنَّ شَعائِرَها بِدائِيَّةٌ ولا عَقلانِيَّة. وقَد سار "جوستاڤ لوبون" على نَهْجِ مُفَكِّري أُوروبَّا في مَوقِفِهِم مِنَ اليَهودِ أَثناءَ تِلكَ الحِقبَةِ، وصاغَ كِتابَهُ "اليَهودُ في تاريخِ الحَضاراتِ الأُولَى" مِن هَذا المُنطَلَقِ، فَكَالَ لَهُم الاتِّهاماتِ، ووَصَفَهُم بأَبشَعِ الصِّفاتِ، نافِيًا أَيَّ دَوْرٍ لَهُم في نَشْأَةِ الحَضاراتِ القَديمَةِ. وهَكَذَا يُمَثِّل هَذا الكِتابُ نَمَطًا فِكرِيًّا سادَ أُوروبَّا مُنذُ العُصورِ الوُسطَى وحَتَّى مُنتَصَفِ القَرنِ العِشرين.
"هَل يَأسَفُ عَلى وُقوعِ الثَّورَةِ الفَرَنسيَّةِ مَن لا يُريدُ أَنْ يَكونَ مُسَخَّرًا لِصَيدِ الضَّفادِعِ في الغُدْرانِ لِكَيْلَا تُقْلِقَ الأَميرَ الإِقطاعِيَّ في نَومِه؟ وهَلْ يَنوحُ عَلى حُدوثِها مَن لا يُريدُ أَنْ يَرى كِلابَ شَابٍّ عاتٍ تُخَرِّبُ حَقلَه؟ وهَلْ يَحزَنُ عَلى نُشوبِها مَنْ لا يُريدُ أَنْ يُسجَنَ في البَسْتيل لِوَلَعِ رَجُلٍ مِن بِطانَةِ المَلِكِ بِزَوْجَتِه، أَوْ لانْتِقادِهِ أَحَدَ الوُجوهِ؟ وهَل يَأسَى عَلَى اشتِعالِها مَن لا يُريدُ أَنْ يَبغِيَ عَلَيهِ وَزيرٌ أَو مُوَظَّفٌ، وأَنْ يَكونَ تَحتَ رَحمَةِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وأَنْ يُؤْخَذَ مِنهُ أَكثَرُ مِمَّا يُفرَضُ عَلَيهِ، وأَنْ يُهينَهُ ويَشْتُمَهُ مَنْ يَدَّعي أَنَّه فاتِحٌ؟ لِذَلِكَ أَشكُرُ -وَأَنا مِنَ الطَّبَقَةِ الوُسطَى- أُولَئِكَ الَّذينَ أَنقَذوني -بَعدَ عَناءٍ شَديدٍ- مِن هَذِهِ القُيودِ الَّتي لَوْلَاهُم لَظَلَّت تُقَيِّدُني، وَأُهَنِّئُهُم عَلَى الرَّغمِ مِن زَلَّاتِهِم". مِسيو إِميل أُوليڤييه "حَقًّا إِنَّ مَصدَرَ المُعتَقَداتِ -سِياسِيَّةً كانَت أَوْ دِينِيَّةً- لَمُشْتَرَكٌ، وَهِيَ خاضِعَةٌ لِسُنَنٍ واحِدَةٍ، أَيْ أَنَّها لا تَتَكوَّنُ بالعَقلِ، وكَثيرًا ما تَتَكَوَّنُ خِلافًا لما يَقتَضيهِ العَقلُ، فَالبَدَهيَّةُ (البُوذِيَّة) والإِسلامُ والإِصلاحُ الدِّينيُّ واليَعقُوبِيَّةُ والاشتِراكِيَّةُ، وإِنْ لاحَت عَلَى شَكلٍ فِكرِيٍّ ظاهِرٍ، هِيَ بالحَقيقَةِ قائِمَةٌ عَلَى عَواطِفَ وَتَدَيُّناتٍ مُتَماثِلَةٍ، وتَخضَعُ لِمَنطِقٍ لا عَلاقَةَ بَينَه وبَينَ المنطِقِ العَقْلِيِّ أَبَدًا. تَنشَأُ الثَّوراتُ السِّياسِيَّةُ عَن مُعتَقَداتٍ تَأصَّلَت في النُّفوسِ، وَلَكِنَّها قَد تَنشَأُ عَن أَسبابٍ أُخرى تَجمَعُها كَلِمَةُ الاستِياءِ، فَمَتَى عَمَّ هَذا الاستِياءُ تَأَلَّفَ حِزبٌ قادِرٌ عَلَى مُكافَحَةِ الحُكومَةِ.